يتناول هذا المقال قصة بداية مرض كورونا التي رواها في ياسر الحزيمي وكيفية تفشيه في العالم ومحاولات التصدي لهذه الجائحة ومعلومات اخرى تجدوها عند قراءة المقال.
يحكى أنه في ديسمبر من العام 2019، أُبلِغ عن تفشي مرض في مدينة صينية تدعى ووهان وهو من سلالةٍ عائلة الكورونا المكتشفة في الستينات
كان الأول أكثر انتشار والثاني أخطر أثرا ثم جاء الفيروس الثالث كورونا 2019-nCoV منذرا بالجمع بين الصفتين
أماكن صامتة تنطق عن عجز الإنسان وضعفه وأماكن خالية قد امتلأت بالعبر للمتأملين ، فيروس صغير لا يرى إلا بالمجهر تحول إلى مجهر يكشف عن فيروسات الإنسان
فسقطت شعارات العلموية في السيطرة على الطبيعة وتسخير الكون ، وآمن الملحد بشيء لم يره ولكنه رأى آثاره وانقاد أدعياء الحرية خلف وصايا الأطباء وتضرعت لله الدولة العلمانية الأم
ويقال أن بعض المثقفين آنذاك لم يقولوا للناس استفت قلبك وإن قال لك الأطباء ما قالوا ويقال أن التنويرين لم يرفعوا شعار (حكم عقلك) بل رفعوا شعار (كبر أذنك واسمع الوصايا)
ويقال أن منكرين السنة صدقوا الأخبار دون أن يشترطوا التواتر
ويقال أن الناس تجاهلوا كل من تحدث عن المرض ما لم يكن طبيبا متخصصا وتجاهلوا واستهجنوا المتطفل على فن ليس من فنه ويحكى أن الذين يصفون دعاة (سد الذرائع) بالمتشددين كانوا في الأزمة أشد الناس تمسكا بهذه القاعدة
ويقال أن ( بعض ) المشاهير لم يجدوا ما يقدمون لأن بضاعة طرحهم كانت تعتمد على التنقل أو التجمع فلما فرض الحظر انكشفوا أمام أنفسهم ولعل بعض البعض منهم تعلم الدرس
وأن العطاء الباذخ دون بناء راسخ ما هو إلا تمثال من الشمع تذيبه حرارة المواقف والأزمات والحوارات وأن الوقوف للتزود من محطة العلم خير من مواصلة الرحلة دون وقود كاف
ويقال أن المحلل الرياضي كان ينظر للأزمة من خلال عدسة ملونة بلون فريقه فمحلل يدعو إلى إيقاف النشاط الرياضي وآخر يرفض التوقف ، ليس بحسب انتشار أو انحسار المرض بل بحسب حظ فريقه من عدمه في الحصول على لقب ما
وتذكر الوثيقة التاريخية أن مشاهير الرياضة المغردين في تطبيق ( تويتر ) عاشوا أزمة تواصلية على مستوى المحتوى المتداول فلم يجدوا بدا من إعادة بعض اللقطات والأهداف تحت بند ( لين يفرجها ربك )
وتحولت الأسئلة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي من ( ما أفضل طريقة للوقاية من الفيروس ) إلى ( ما أفضل فيلم تنصح به ؟ ) فضاعت الأوقات
ويقال أن ثلة ممن شهدوا حرب الخليج وقليل ممن شهدوا سنة الصخونة لبسوا عباءة الحكيم ونظارة المستشار وراحوا يحكون للناس تجاربهم
ومن جميل ما يروى أن ثمة أناس استثمروا التوقف ولحظات الانعزال في مراجعة محفوظاتهم وإنهاء متعلقاتهم وزيادة معلوماتهم وتزكية نفوسهم وتقويم جوانب حياتهم
وتروي المراجع أن لقطة خلو المطاف كانت الحدث الأكثر رهبة وأن تعليق الدراسة وعبارة ( حتى إشعار آخر ) كان الحدث الأكثر إرباكا حيث شعر الناس بجدية الأزمة أما حدث إيقاف الجمع والجماعات ففطر أفئدة المعلقة قلوبهم بالمساجد وأيقظ بقية القلوب الغافلة
ومن طريف ما ذكر ونشر هي تلك الوصايا التي تدعو الناس إلى فعل بعض الأشياء والأنشطة للأبناء وكأن وجودهم مع أسرهم وتفرغ أسرهم لهم حدث استثنائي ينبغي التواصي لتجاوزه فالمنزل الذي يسمى سكن أصبح وكأنه ملجأ
ويقال أن سكان المدن الصغيرة والقرى لم يتأثروا بمنع التجمع كما تأثر سكان المدن الكبيرة فالأولى معتادة على منزلها وحارتها ومزرعتها وماشيتها وبيت جدها بينما حصرت الثانية وجودها في المنتزهات والأسواق والمطاعم والمقاهي
ووجد عائل الأسرة الكثيرة الساكن في شقة صغيرة أزمة حقيقة في التعامل مع الحدث وتجاوز بعضهم الموقف من خلال تخصيص أركان في المنزل للرسم واللعب في المساحات المتاحة حتى لو كانت في الأسطح
كانت هذه بعض المشاهد التاريخية في حقبة زمنية غابرة نقلت لكم منها ما أتيح لي وما عايشتها بنفسي ، فهل من مشاهد أخرى يمكن لمن عاصر الأحداث أن يرويها لنا
وجاء في بعض الروايات أن إعادة ضبط المنبه فجر أول يوم منعت الصلاة فيه في المساجد أجرى دموع المشائين في الظلمات وأن الكثير من المؤذنين لم يستطيعوا نطق (صلوا في رحالكم) دون أن تنحب قلوبهم وتبح من البكاء أصواتهم وأن المواظب على الصلاة جماعة كان أشد ألما والمفرط كان أشد ندما
ومن جميل ما خلده تاريخ تلك المرحلة أن أناسا تعاملت مع الموقف بكل تكيف وإيجابية فأعدت مصلى في المنزل وكُلّف أحد الأبناء بالأذان والأب بالإمامة والابن الثاني بكلمة أو فائدة في كل يوم مرة واحدة وربما تبادل الثلاثةُ الأدوارَ
ومما رواه بعض من عاصر منع الصلاة في المساجد بسبب الوباء أن دموع كبار السن وتحسرهم على الصلاة كانت موعظة بليغة له وأن منظر المساجد خالية قد ملأ قلبه حسرة وهيبة … ويقظة
وما دمنا تحدثنا عن كبار السن .. فإن من حماقات بعض الرسائل التطمينية في ذلك الزمن أنها كانت تبعث الأمل وتزيل القلق بقولها أن الفيروس خفيف الضرر وليس يقتل إلا كبار السن وضعاف المناعة ولا أدري هل جهل مروج هذا الكلام أن كبار السن في كل عائلة هم عمادها وسراجها وملاذها
وأن هذه الرسائل تزيد الصغير قلقا وتزيد الكبير شعورا بالاغتراب عن عصره وقرب انتهاء مدة صلاحيته حتى غدا ضعفه وسيلة تطمين لجيل يستقبل الحياة
ومن غريب ما رأيت أن بعض الناس امتنع عن المصافحة باليد ولو مددت يدك له وأعجب منه أن بعض الشباب رأيتهم يتصافحون بالأرجل !! لا أدري لعلها دعابة منهم أو ربما هي المتوالية السلوكية حين تتطرف في تطبيق الفكرة
ومن عبر التاريخ المتكررة أن قيم السوق(العرض والطلب) وتجارة الأزمات شوهت الانسانية ففي أزمة الخليج بلغ الشريط اللاصق أضعاف سعره وفي أزمة كورونا وصلت المعقمات في بعض دول الخليج إلى أسعار مبالغ فيها وفي أوروبا تقاتل الناس على المناديل الورقية
ومن فوائد تلك المرحلة أن قناعات المسؤول كبير السن قد تبدلت وأساليب المدير المركزي قد تغيرت بعد أن جربوا العمل بالتقنية والتعامل عن بعد
ومن فوائدها أيضا أنها وحدت المجتمع ورفعت الوعي الجمعي والمسؤولية المشتركة تجاه قضية واحدة .. تشابه فيها الناس رغم اختلافاتهم .. واتفقوا رغم خلافاتهم
ومن صفعات ذلك الزمان أن تصبح أحاديث بعض الرجال عن براعتهم في تسوية طرفي الشارب دون جروح مميته أما من تحصل على حلاق خلسة فيعد من طبقة النبلاء
ومما يروى على خلفية منع الصلاة في المساجد أن أحدهم وجد نفسه في حرج أمام أبنائه حينما قال له ابنه : أبي لا مانع أن تصلي بنا وتقرأ من المصحف من باب التنويع فشعر الأب أن محفوظاته القليلة لقصار السور أجبرته على التكرار مما دفعت ابنه إلى هذا الاقتراح
أغلقت كتاب التاريخ وتأملت ما حدث فوجدت أن فيروس كورونا كان ضارا بالجسد ولكن أعراضه الجانبية أفادت الروح بالتعلق بربها والنفس بالخلوة والتزكية والعقل بالتأمل والمراجعة والأسرة بالترابط وترسيخ القيم والمجتمع بالتآزر والتواصي
وتأملت للمرة الأولى أن الزحام في أماكن العبادة كان من النعم
ستشرق الشمس وتغرد الطيور بعد أن تلين القلوب بذكر الله