غالب بن صعصعة هو أحد الشخصيات البارزة في تاريخ العرب قبل الإسلام، واشتهر بالكرم مثل والده صعصعة بن ناجية، الذي يُعرف بتصديه لعادات سلبية مثل وأد البنات. غالب بن صعصعة كان أحد الأعلام في قبيلة بني تميم واشتهر بسخائه وشهامته، ولكنه أيضاً كان معروفاً ببعض الأحداث المثيرة للجدل التي مزجت بين الكرم والتبذير.
غالب هو ابن صعصعة بن ناجية، الذي كان معروفاً بإيقاف عادة وأد البنات في زمن الجاهلية، حيث كان يشتري المواليد الإناث من آبائهن الفقراء لمنعهم من وأدهن. هذا الفعل جعله واحداً من أعظم الشخصيات في بني تميم، وخلّد اسمه كرمز للرحمة والإنسانية.
أما ابنه غالب بن صعصعة، فقد اشتهر أيضاً بالكرم ولكنه كان يتخذ من الكرم طابعاً يتجاوز الحدود في بعض الأحيان. في فترة خلافة عثمان بن عفان، حدثت واقعة اشتهر فيها غالب بالنحر والإسراف عندما بدأ سحيم بن وثيل، أحد أبناء عمومته، يتحداه في الكرم.
القصة بدأت عندما كان بني تميم يعيشون في منطقة قرب الكوفة، وكان غالب قد نحر بعيراً لإطعام أبناء عمومته من بني يربوع. شعر بعضهم بالضيق لأنهم رأوا في ذلك تحدياً، فذهبوا إلى سحيم بن وثيل ليطلبوا منه أن يفعل مثله. بعد فترة وجيزة، دخل الاثنان في منافسة على الكرم، حيث بدأ سحيم ينحر الإبل فرد عليه غالب بنحر أكثر منها. هذه المنافسة استمرت حتى عقر غالب 100 من إبله، وكان يهتف “أنا غالب بن صعصعة”.
بعد أن استفحل التحدي بين غالب وسحيم، فكر رجال بني يربوع بخطة للإيقاع بغالب وفضيحته. خططوا لإفساد الوليمة التي كان غالب ينوي إقامتها عبر قلب القدور وإلقاء الطعام على الأرض. لكن أسماء بنت عوف، زوجة شيخ بني يربوع، أفشت الخطة لغالب، والذي بدوره استدعى فرسان من قبيلته بني مالك ليحرسوا القدور. وهكذا فشلت الخطة.
بعد هذه الحادثة، استمر التحدي بين غالب وسحيم في نحر الإبل حتى قرر غالب أن ينحر أكثر من مئة ناقة في يوم واحد، وهو ما أثار جنون قبيلته وأجبر الخليفة عثمان بن عفان على التدخل. أصدر الخليفة أمراً بالقبض على غالب نتيجة تبذيره وهدره للمال.
هرب غالب إلى والده صعصعة بن ناجية طالباً منه الدعم والمساعدة، لكن والده رفض أن يعطيه الإبل ما لم يتعهد بعدم عقرها أو الإسراف فيها. لم يلتزم غالب بشرط والده، فهرب إلى البصرة حيث استقبله الحتات بن يزيد، وهو أحد سادات بني تميم، الذي أعطاه 40 ألف درهم.
في النهاية، بعد أن أتم مناسك الحج، قام غالب بتوزيع كل الأموال التي حصل عليها من الحتات على الناس في مكة، معلناً عن نفسه قبل أن يختفي هارباً من عيون الخليفة.
من خلال قصة غالب بن صعصعة، يمكننا تمييز الفرق بين الكرم والسفه. الكرم هو تقديم العون والمساعدة للآخرين بشكل مدروس ومعقول، أما السفه فهو التبذير والإسراف بشكل غير منطقي. قال الله تعالى في كتابه: “ولا تؤتوا السفهاء أموالكم”، وهو ما يشير إلى خطورة الإسراف والتبذير على الفرد والمجتمع.
قصة غالب بن صعصعة تعكس جانباً من الكرم العربي الأصيل، ولكنها في الوقت ذاته توضح كيف يمكن أن يتحول الكرم إلى إسراف وسفه إذا تجاوز الحدود.