قصة ارطغرل بن سليمان
تحدثنا من خلال هذا المقال عن قصة ارطغرل بن سليمان شاه والد مؤسس الدولة العثمانية
ارطغرل بن سليمان
تجربة أرطُغرُل تجربة ثريّة، فليس هو الأسطوري الذي تصوره الدراما، لكنه الإنسان المسلم، الذي يسهل الاقتداء به، المُربي الذي أخرج جيلًا مميزًا، القوَّام الذي حَفِظَ الأقوام، كان نتاج تجربته خروج الإمبراطورية العثمانية العظيمة التي حكمت ما يقرب من 600 سنة!!
أرطغرل.. الأصل والنشأة :
من والد أرطغرل؟
- هناك رأيان حول تحديد والد أرطغرل، بين «سليمان شاه» أو «كوندوز ألب». ويذهب بعض المؤرخين المتأخرين إلى ترجيح نسب أرطغرل إلى كندز ألب»، ويرجّح هؤلاء المؤرخون أن «سليمان شاه» هو مجرد ذكرى باقية من اسم فاتح الأناضول ويؤيد هذا الرأي اكتشاف عملة معدنية مسكوكة من عصر عثمان بن أرطغرل، نُقش عليها اسم أرطغرل واسم والده غندوز آلب (بالتركية: Gündüz Alp؛ تُلفظ: غوندوز آلب).
- والعملة موجودة بمتحف الآثار باسطنبول (بالتركية: Arkeoloji Müzesi) مكتوب على وجه العملة «ضرب – عثمان بن – ارطغرل – ايده الله» وعلى ظهرها مكتوب «ضرب – عثمان بن – ارطغرل بن – كـ..دز الپ»
- وهذا الاختلاف في نسب أرطغرل يجعلنا ننتبه إلى حقيقة في غاية الأهمية، وهي أن أرطغرل لم يكن مشهورًا في زمانه ليعتني بسيرته المؤرخون، ولولا أن الدولة العثمانية صارت دولة عظيمة، وسادت ذريته العالم، ربما لم يكن له ذكرٌ من الأساس وما حظي بأي اهتمامٍ
- ويذكر أن والدة أرطغرل هي: «هايماة آنا»وكان له من الأخوة: «غندودو- سنغور تكين- ديندار».
- وحسب الرواية المشهورة استلم والد أرطغرل سيادة قبيلة «القايى» وهو يحمل القيم والأفكار التي ورثها من أجداده، والتي سارت عليها قبائل التركمان. وقام بتربية أولاده على هذه القيم مثل: الشجاعة وحب الدين ونصرة المظلوم. وفي هذه الفترة كانوا في خلاط يبحثون عن أرض آمنة يقيمون عليها بعيدًا عن هجمات المغول الوحشية التي اجتاحت تلك المناطق
مولد أرطغرل :
- ولد أرطغرل عام (1191م) تقريبًا في مدينة خلاط وكانت في طرف بحيرة وان تقع على الساحل الشمالي الغربي منها ،نشأ أرطغرل في كنف والده ووالدته وهو ثالث أبنائهم، وتميز بصفات قيادية تختلف عن إخوانه، مثل:
- الإصرار
- والشجاعة
- والإقدام، وهي التي ميزته عن إخوانه
زواج أرطغرل :
- تزوج أرطغرل من السلطانة حليمة عام (1227م)، وأقرب الروايات أن حليمة والدها هو السلطان غياث الدين مسعود بن كيكاوس السلجوقي
- وكان للسلطانة حليمة شأن وتأثير كبير في تاريخ قبيلة القايى، وتأسيس الدولة العثمانية، ودعم زوجها الغازي أرطغرل عندما تسيد القبيلة، وهي التي ترعرت ونشأت في قصور السلاجقة من السلالة السلجوقية، ثم انتقلت إلى خيمة السيادة في قبيلة «القايى» بجانب الأم «هايماه»، وبصحبة زوجها أرطغرل ووالده.
- وتأسست مؤسسة باجيان روم في عهد أرطغرل كما يذكر المؤرخ عاشق باشا في كتابه الحوليات العثمانية، وهي عبارة عن مؤسسة نسائية تعتبر رافدًا مساعدًا للدولة، وأصبحت فيما بعد عدد المنتسبات للمنظمة تجاوز المئة ألف، وفي رواية أخرى الثلاثين ألف منتسبة
البحث عن وطن :كانت قبيلة القايى تستوطن في بلاد ماهان قرب بلخ، فلما ظهر جنكيزخان، وأخرج منها السلطان علاء الدين خوارزمشاه، وتفرق أهلها. ترك والد أرطغرل البلاد مع من تركها من الملوك وغيرها، وقصد بلاد الروم، وكان قد سمع بدولة السلاجقة وعظم شوكتهم، وكثرة غزوهم إلى الكفار
- وتبعه في ذلك خلق كثير. ثم قصدوا صوب حلب من ناحية البستان أو الأبلستين والمقصود أنهم اتجهوا نحو الجنوب الغربي، وبسبب الخلافات والصراعات داخل الدول الإسلامية وتغلغل الصليبيين في أجهزة الدولة، عاد مع قبيلته وأثناء عودتهم من ماردين التي تبعد 200 كيلو متر من خلاط- وقيل من حلب-
- وكان يترأسها الملك المنصور ناصر الدين ارتق أرسلان الملك السادس طلب منهما الدفاع عنها من جيوش المغول، وأثناء عبورهم نهر الفرات قرب قلعة جابر غرق بحصانه، وتوفي تقريبًا في أواخر عام (1229) ميلادي. أراد أرطغرل -بعد وفاة والده- أن يكمل مسيرته في البحث عن وطن آمن
- وهو يحمل روح المخاطرة والمغامرة من أجل مبادئه وأفكاره، بينما إخوانه أرادوا العودة إلى موطنهم الأصلي، يبحثون عن الأمن وعدم إراقة كثير من الدماء
الأناضول المنشود
الأناضول أو الأناطول: معناها الشرق وتُطلق الآن على الأراضي الواقعة شرق البحر المتوسِّط وهي جزءٌ من الجمهوريَّة التركيَّة أي الجزء الآسيوي من تركيا
- كان لظهور المغول أثر كبير في إزاحة عدد كبير من أتراك آسيا الذين يعيشون في منطقة التركستان وأفغانستان، إلى الغرب، حيث هرب هؤلاء الفلاحين إلى أبعد المناطق غربًا ابتعادًا عن مجرمى المغول، وكان من هذه المناطق الأناضول
- فأدى هذا إلى زيادة تتريك الأناضول وأسلمته حيث كان معظم هؤلاء المهجَّرين من الأتراك المسلمين.
- وخلال القرن الثالث عشر الميلادي عمت الاضطرابات والفوضى كلا من السلطنة السلجوقية والإمبراطورية البيزنطية، مما أدى إلى ضعف قوتها بعد الحملة الصليبية الرابعة (1204م) عندما استولت على القسطنطينية.
- وفي الوقت نفسه فشلت الدولة السلجوقية من فرض النظام على القبائل التركمانية بسبب ما قام به المغول من سلب ونهب؛ إذ كان المغول قد بدءوا في شن غارات بربرية قاسية وخاطفة، وأعدوا الحملات وجيشوا الجيوش، موجهينها إلى آسيا الصغرى مما أدي إلى إضعاف قوة السلاجقة، مما مهد لإزالتها تمامًا.
- وفي هذه الأثناء تدفق البدو الرحل والجند المدربون الذين كانوا شغوفين بخوض المعارك لتحقيق الكسب المادي ولفرض العقيدة الصحيحة على العالم المسيحي.ونزحت القبائل التركمانية إلى الأناضول عند حدود بيزنطية بعيدًا عن هجمات المغول والتي كانت تترأسها عائلاتٌ من قبائل تركمانيةٍ من قبائل الأغوز في الفترة التي كانت فيها دولة السلاجقة تلفظ أنفاسها الأخيرة.
أرطغرل وانتصار ياسي جمن
الجائزة.. وطن
- بعد الانتصار الكبير الذي حققه أرطغرل في معركة «ياسي جمن» ارتبطت علاقة قوية ما بين السلطان علاء الدين السلجوقي مع أرطغرل، وأصبح الثاني هو وقبيلته تابعًا للدولة السلجوقية في قونيا منح البادشاه السلجوقي أرطغرل غازي بك حدوديًا صغيرًا جدًا في سوغوت
عند ولاية بيلهجك، ليتمكن من صيانة الحدود وتوسيعها، وهكذا استوطن أرطغرل بك وعشيرة قابي في القسم الشمالي – الغربي من الأناضول. وقد كان ذلك في عام 1231 على أرجح الأقوال.
- وتقدر مساحة هذه الاقطاعية بما بين 1000 إلى 2000 كيلو متر مربع. وبها وُضع حجر أساس الدولة العثمانية التي ستقوم على يد ابنه عثمان غازي ويستمر حكمها 600 سنة تقريبًا.
- واستطاع أرطغرل بك توسيع أراضيه خلال مدة نصف قرن قضاها كأمير على مقاطعة حدودية، إلى 4800 كيلو متر تقريبًا. وتوفى في 1281م وعمره 90 سنة ودفن في قصبة سوغت التي استولى عليها من البيزنط واتخذها قاعدة له.
- وتضم الدولة التي خلفها أرطغرل بك، بالنسبة للتقسيمات الإدارية الحالية، بصورة تقريبية: سوغت وبوزيوك التابعة لولاية بيله جك، اقضية دومانج التابعة لولاية كوتاهية، وناحية يارمجه الواقعة بين نهري بورسك وسقاريا التابعة لولاية اسكيشهر، والقسم الشمالي من اسكيشهر إذا ما تركنا اسكيشهر في الخارج
- وأخيرًا تحقق حُلم أرطغرل، أن يكون له وطن فيعيش آمنًا هو وقبيلته، وهنئيًا لمن هذا حُلمه، فكأن الدنيا بأجمعها بين يديه، وهي سعادة حقيقية لن يشعر بها إلا مَنْ هُدِّد في رزقه وأَمْنه
- ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»[25].
- ويبدو أن أرطغرل كان في هذا الوقت قد سكن أطراف الأناضول وليس كما تُصوره بعض الروايات أنه كان مارًا بها مصادفة، فحدث ما حدث؛لأن اشتركه في المعركة إلى جانب علاء الدين كيكباد السلجوقي، يدعم وجوده منذ فترة ومعرفته التامة بالسلاجقة ولو كان قادمًا من الشرق في هذا التوقيت كان من المنطقي أن ينضم إلى جلال الدين خوارزم الذي كان يعيش في كنفه وليس إلى علاء الدين كيكباد.
- وإلى ما ذهبنا تشير بعض الروايات، فقد أرسل أرطغرل ابنه ساوجي بك إلى السلطان علاء الدين السلجوقي يلتمس منه مسكنًا له ولقبيلته ومرعى لمواشيهم، فأجاب له الطلب، ثم توفى ساوجي بك وهو عائدٌ إلى أبيه وكان هذا قبل المعركة، ويبدو أنه فعل ذلك فور وصوله استئذانًا، وطلبًا للوطن الذي يرغب فيه، ومات ابنه قبل أن يأتي بالموافقة، وكانت مشاركته بعد ذلك مع علاء الدين كيكباد، الذي وضح أنه كان يعرفه وأراد أن يدعمه
أرطغرل مُربيًا
- استقلت عشيرة القايى صغيرة الحجم التي لم تتجاوز 400 خيمة ولم تتجاوز 4000 شخص بما فيهم النساء والرجال بقيادة زعيمها أرطغرل فاستطاع وضع الأساس لبناء الوطن، ومهد الطريق للتحول من طور القبيلة إلى الدولة، فوسع مدينة سوغوت من 1000 كم إلى 4800 كم،
وكان يقيم فيها أرطغرل في الشتاء؛ لأنها مدينة دافئة.
- وتتميز المدينة حاليًا بوجود قبور الكثير من قادة قبيلة القايى، مثل: «أرطغرل وزوجته حليمة وبعض أبنائه وكثير من المحاربين».
ثم فتح أرطغرل مدينة دومانيتش التي صارت مصيفًا للقبيلة؛ لأنها مرتفعة وباردة في الصيف ويوجد فيها الآن قبر «هايماه» والدة أرطغرل
سار أرطغرل في طريق المصلحين، وأراد أن يُعد قبيلته إعدادًا محكمًا، وأن يربيهم على القيم والمثل، ويزرع فيهم الإيمان والعمل الصالح، وينبت فيهم نبتة ستكون وارفة الظلال، كثيرة الأفنان فيما بعد، فأسس نظامًا اجتماعيًا وهو عبارة عن مؤسسات اجتماعية من الدراويش والمشايخ الذين انضموا لمعسكر قبيلة القايى لأنها الإمارة الوحيدة التي بمنزلة رباط على الحدود البيزنطية.
مولد عثمان
انتهاء الرحلة
- بعد حياةٍ طويلةٍ من الجهاد والفتوحات كبر أرطغرل فلم تستطع عظامه أن تحمله؛ فقام أبناؤه بمواصلة مسيرة الجهاد وتحمل المسئولية الجهادية، فبرز ابنه عثمان في ميادين الجهاد، وتوفي أرطغرل عام 1284م عن عمرٍ يناهز التسعين
- لم يكن أرطغرل أميرًا مشهورًا، ولا فارسًا أسطوريًا، ولا طمح حتى في الدولة التي كانت في ما بعد، لكنه كان قائدًا شجاعًا حكيمًا، مربيًا في المقام الأول، فهو أولى بمقولة «وِل ديورَانت» في عثمان ابنه: «لم يكن عثمان قائدًا عظيمًا، ولكنه كان مثابرًا صبورًا»انتهى